تسحرك طبيعتها، بمجرد أن تضع قدميك على أرض "هورامان" أو "أورامانات" غربي إيران، وتخطف مشاهدها الخلابة أنظارك يميناً وشمالاً، فيوقفك جمالها الساحر عن الحركة بعض الوقت، قبل أن تجذبك المناظر الممتدة وتدفعك لمواصلة الطريق لتكتشف صفحات أخرى من هذه الروعة الجمالية، واحدة تلو أخرى. وأنت في الطريق، يشدك صفاء نهر سيروان وضجيج قطرات المياه الضاربة على الصخور في طريقها بين الوديان العميقة والجبال الشاهقة، وغناء الطيور فوق الأغصان وعطر فسيح يتناثر على الأزهار. "هورامان" منطقة جبلية، يعانق فيها الإنسان أحضان الجبال وتضاريسها الوعرة، وتستلقي المنازل بمعماريتها الرائعة على سهولها لندرة الأرض الخصبة المسطحة، فسطح بيت ساحة لبيت أعلاه، ما شكل للمنطقة تراثاً فريداً من نوعه على مر مختلف العصور والأزمنة، يمتزج فيه جمال الطبيعة بعبق التاريخ والحضارة الإنسانية، ليجذب أخيراً انتباه منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة ‏أو ما يعرف اختصارا بـ"يونسكو".

دخلت "هورامان" أو "هه ورامان" باللغة الكردية، قائمة "يونسكو" للتراث الإنساني العالمي خلال يوليو/تموز الماضي، باعتبارها التراث المادي السادس والعشرين لإيران في القائمة. يقول المؤرخ الإيراني الكردي، إسماعيل شمس، إن المنظمة الدولية أدرجت المنطقة على قائمتها للتراث العالمي تحت عنوان "المشهد الثقافي في هورامان/أورامانات"، مشيراً إلى أن "التسميتين مختلفتان دلالياً".

"اسم هورامان ورد في المصادر التاريخية قبل ألف سنة، على الأقل"، كما يقول شمس لـ"العربي الجديد"، مضيفا أن "أورامانات التي تشكل منطقة هورامان جزءاً صغيراً منها، تسمية وفق تقسيم إداري حديث منذ قرابة 100 عام، تشمل أربعة أقضية، باوه وجوانرود وثلاث باباجاني وروانسر"، في محافظتي كردستان وكرمانشاه غربي إيران. يضيف أستاذ التاريخ بجامعة "العلامة طبطبائي" بطهران، أن "منطقة هورامان التي تشكل المركز الأساسي للمنطقة المدرجة على قائمة "يونسكو" تقع في ثلاث محافظات في إيران والعراق، محافظة كردستان وكرمانشاه الإيرانيتين وشرق محافظة حلبجة الكردية العراقية".

عن تاريخ هورامان، يقول المؤرخ الإيراني إن نتائج البحوث الأثرية في المنطقة، تشير إلى أن الإنسان استوطن فيها قبل أربعين ألف عام، مشيرا إلى العثور على آثار فيها من العصر الحجري القديم، والعصر الحجري الحديث والعصر الحديدي، فضلا عن الحقبة ما بعد دخول الإسلام إلى المنطقة. وعليه، يوضح شمس وهو مدير الدراسات الكردية بمركز الموسوعة الإسلامية الكبيرة أيضاً، أن "هورامان وثيقة أثرية موثقة تروي استمرارية التاريخ والحضارة والثقافة في كردستان من دون انقطاع، ومسار تاريخ استيطان مستمر للبشر في هذه الأرض"، لافتاً إلى أنها "تقع جغرافيا في قلب كردستان وعبارة عن جزيرة جبلية بين جبال زاغرس الشاهقة".

ميزة هورامان ليست في جغرافيتها الرائعة فحسب، فكما يقول شمس إن "هذه القلعة الطبيعية التاريخية تشكل معقلاً للدين والشعر والموسيقى والعرفان واللغة والفن والمعمارية والفنون والصناعات اليدوية"، مشيراً إلى أن "معظم الطرق الصوفية الكردية انطلقت من هورامان، وأولى الكتابات الكردية خطت بلغة سكان هورامان".

إلى ذلك، فهورامان "سمفونية كردية تعزف على أوتار الثقافة والتاريخ والمتحف الجغرافي والتاريخي والإنساني واللغوي الشعبي"، حسب المؤرخ الإيراني الكردي، الذي أضاف أن "هذه السمفونية تروي تاريخ العصور القديمة من حقبة الماد (أول من سكن إيران) والآشوريين إلى بقية الحقب التاريخية". ويؤكد أن: "أهمية تسجيل هورامان كتراث عالمي أنها في عصر العولمة والتحولات الثقافية، تكشف لنا كيف نجح الإنسان الكردي التقليدي الهوراماني في العصر القديم في خلق الحضارة والثقافة والحياة، مستلهما من الطبيعة والبيئة ومن دون الإضرار بها، فيمكن القول إن هورامان هي كردستان القديمة ولغة سكانها هي الكردية القديمة".

"هورامان ومنطقة كوران (أو الجورقان) التي تعد جزءا منها، لا تضاهيهما الأهمية، أي منطقة أخرى في كردستان لجهة تربية العلماء ورجال الدين وخدمة الحضارة الإسلامية"، حسب قول شمس، الذي أشار إلى "أسماء علماء تحمل لواحق كوراني وجورقاني وشهرزوري وأورماني في التاريخ الإسلامي"، وقال إن ذلك "يظهر الدور الكبير الذي لعبته هورامان في خدمة العلم والفلسفة والفقة والعرفان الإسلامي والأدب العربي".

من جهته، يرى الناشط والكاتب الإيراني الكردي، صلاح الدين خديو أن ما يميز منطقة أورامانات أنها "تتسم بطبيعة بكر وجبل غني بالمياه في إيران التي تحظى ببيئة شبه جافة وصحراوية"، مضيفا أن "ميزتها الأخرى في تقاليدها الخاصة ورموزها الثقافية الفريدة المستمدة من تاريخها القديم وجغرافيتها الجبلية الوعرة، لكنها ولّادة تهب الحياة إلى المناطق الأخرى التي تعاني من شح المياه".

يضيف خديو لـ"العربي الجديد" أن "أورامانات ظلت جنة مجهولة في كردستان، قبل أن يتعرف عليها بقية سكان إيران خلال العقدين الأخيرين بفضل تطورات تقنيات الاتصالات وأدوات النقل وزيادة الرحلات السياحية"، مشيراً إلى "دور تقاليد سكان المنطقة الخاصة بها في استقبال "النوروز" رأس السنة الجديدة، والمهرجانات التي ينظمونها مثل حفل "الرمان" في موسم قطفه في جعل أورامانات عنواناً معروفاً بين الشعب الإيراني الذي أصبحت ذائقته الثقافية أسيرة الرموز ومكونات الثقافة الإيرانية الأصلية".

ويضيف أنّ: "هذا الاهتمام المحلي المتزايد في إيران بأورامانات أثار انتباه "يونسكو" لها خلال السنوات الأخيرة، ما أدى في نهاية المطاف إلى تسجيلها كتراث عالمي"، حسب الكاتب الإيراني صلاح الدين خديو، الذي توقع أن "تزيد الخطوة الأهمية الثقافية والسياحية للمنطقة وتدفق الموازنات والاستثمارات إليها لتوسيع بنيتها التحتية الاقتصادية والسياحية بشكل يتناسب مع الموقع العالمي الجديد الذي اكتسبته هذه الجزيرة الثقافية".

لكن في الوقت ذاته، هناك ما يدعو للقلق، حسب خديو، "حيث من شأن تدفق الاستثمارات إلى هذه المنطقة وارتفاع أسعار العقارات فيها أن يشكل خطراً على طبيعتها البكر، إذا ما رافقتها عمليات نهب الأراضي والجبال والغابات وتخريبها، ما يهدد بيئتها الجغرافية وموروثها الثقافي الشعبي أيضاً"، داعياً السلطات الإيرانية إلى "أخذ هذه المخاوف بعين الاعتبار خلال عملية تنمية المنطقة". أما سكان هورامان أو أورامانات فعبروا عن "سعادتهم البالغة"، بعدما ذاع صيت منطقتهم عالمياً من جراء إدراجها على قائمة "يونسكو"، كما يقول الناشط المدني مومن نوري، مؤكداً أن ذلك "مثّل بشرى سارة لأهالي هورامانات بعد سنوات عدة من جهود بذلت لنيل المنطقة هذا المكان الذي تستحقه فعلاً".

يشير نوري لـ"العربي الجديد" إلى أن أهالي القرى والمدن في المنطقة نظموا احتفالات بعد صدور هذا القرار، وشكروا القائمين على المشروع و"يونسكو" على ذلك، آملا أن تعقبه تنمية المنطقة وتدفق السياحة نحوها. ويتحدث نوري عن مهرجانات وتقاليد دينية وشعبية تاريخية في أورامانات، منها "حفل بيرشاليار" في قرية "هورامان تخت"، الذي ينظم سنوياً مطلع شهر فبراير/شباط بمشاركة سكان القرية والقرى المجاورة وسيّاح إيرانيين وأجانب. "بير شاليار" شخصية دينية أسطورية، عاش في المنطقة قبل نحو ألف عام، نذر حياته لعبادة الله وخدمة الخلق وقضاء حوائجهم، فيحترمه سكانها وينظمون هذا الحفل سنويا تخليدا لذكراه.

ويستقبل السكان الحفل قبل حلوله بأسبوع من خلال توزيع أطفال "أعداد جوز" بأوان خاصة في القرية، يقطفونها من البساتين القديمة، باعتبار أنها من "بستان بيرشاليار. تشارك فرق الصوفية في الاحتفال من خلال العزف على الدف وقراءة أدعية. "حفل كومساي"، تقليد شعبي آخر، يمارسه أهالي أورامانات، في الربيع من كل عام، كما يقول الناشط نوري، الذي أضاف أن هذا التقليد يعود إلى قبل أكثر من ألف عام، حيث كان الناس يخرجون إلى الجبال للاحتفال بانتهاء الشتاء "القاسي"، ويشكرون الله على ذلك ومجيء الربيع ونمو النباتات والعلف على الجبال لمواشيهم. ويضيف أن هورامان تشتهر بزراعة الجوز والمشمش والخوخ والرمان، وسكانها إلى جانب ذلك يعملون في تربية المواشي.